فصل: والبُضْعُ بالبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ *** وعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرارُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وكَالأبُ الوصِيُّ فِيما جَعَلاَ *** أبٌ لَهُ مُسوَّغٌ ما فَعَلاَ

‏(‏وكالأب‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏الوصي‏)‏ وقوله ‏(‏فيما‏)‏ يتعلق بالاستقرار في الخبر ‏(‏ جعلا‏)‏ صلة ما وألفه للإطلاق والرابط بينه وبين الموصول محذوف أي جعله ‏(‏أب‏)‏ فاعل ‏(‏له‏)‏ يتعلق بجعل وضميره للوصي ‏(‏مسوغ‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏ما‏)‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فعلا‏)‏ صلة وألفه للإطلاق أيضاً، وفاعله ضمير الوصي والرابط محذوف، والجملة من المبتدأ والخبر في معنى التأكيد لما أفادته الجملة الخبرية قبلها، ومعناه أن الوصي ووصي الوصي كائن كالأب سائغ فعله فيما جعل له الأب من جبر البنات صراحة أو ضمناً كزوّجها صغيرة أو كبيرة أو قبل البلوغ وبعده أو عين له الزوج فيجبرها الوصي ووصيه وإن سفل في ذلك كله على المشهور‏.‏ وهي للزوج المعين في الأخيرة إذ بذل لها مهر المثل ولم يكن فاسقاً ولا حجة لها في كونه ذا زوجة أو سرية الآن، وكان يوم الإيصاء عزباً فإن أبى أن يبذل مهر المثل أو كان فاسقاً أو به عيب سواء كان فسقه أو عيبه حين الوصية أو طرأ بعدها لم تجبر عليه، وكذا إن أراد الوصي أن يجبرها في الصور الأول من فاسق ونحوه كما مر في البيت قبله، وهذا يدل على أن الوصي ليس كالأب من كل وجه، بل إنما هو مثله في الجبر في التزويج بمهر المثل قاله ‏(‏ز‏)‏ وتأمله مع قول ‏(‏خ‏)‏ وجاز الرضا بدونه أي المثل للمرشدة وللأب ولو بعد الدخول وللوصي قبله لا المهملة الخ‏.‏ فإن لم ينص له على الجبر صراحة ولا ضمناً بل قال له‏:‏ زوجها ممن أحببت أو زوجها وأطلق أو أنت وصي على بناتي أو على بضع بناتي أو على بعض بناتي إذ البعض مبهم ففي الجبر في كل من الصور الخمس قولان مشهوران أشار لذلك ‏(‏ح‏)‏ بقوله‏:‏ وجبر وصي أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف‏.‏ قال ‏(‏ز‏)‏ والراجح الجبر في الجميع إذا أتى في الصيغتين الأوليين من الخمس بلفظ التزويج أو بلفظ الإنكاح وإلا لم يجبر وأما إن قال وصي فقط أو على مالي فلا جبر اتفاقاً اه‏.‏ أي‏:‏ وإن كان له العقد قبل الأولياء كما مرّ، لكن قال بعضهم‏:‏ الصواب قصر الخلاف في لفظ ‏(‏خ‏)‏ على الصيغتين الأوليين قال‏:‏ وما ذكر من ترجيح الجبر صحيح كما يفيده ابن أبي زمنين وغيره‏:‏ وإن كان ابن رحال رجح عدم الجبر قائلاً هو الظاهر من كلام الناس لأنه إذا اختلف في الجبر الموصى به صراحة فكيف بغيره فانظر ذلك‏.‏

وَحَيْثُمَا زَوَّجَ بِكْراً غَيْرُ الأبْ *** فَمَعْ بُلُوغٍ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبْ

‏(‏وحيثما‏)‏ ظرف مكان مضمن معنى الشرط ‏(‏زوج‏)‏ فعل الشرط ‏(‏بكراً‏)‏ مفعول ‏(‏غير‏)‏ بالرفع فاعل ‏(‏الأب‏)‏ مضاف إليه ‏(‏فمع‏)‏ بالفاء وسكون العين جواب الشرط وهي داخلة على مبتدأ محذوف مع خبره أي فشرط تزويجه كونه مع وجود ‏(‏بلوغ‏)‏ وقوله ‏(‏بعد إثبات السبب‏)‏ معطوف بحذف العاطف على الظرف قبله من عطف العام على الخاص إذ البلوغ من جملة الأسباب، والظرفان يتعلقان بذلك المحذوف أي مع بلوغ بعد إثبات السبب، والمعنى أن البكر إذا زوجها أخوها أو عمها أو كافلها أو وصيها غير المجبر، ونحو ذلك ممن لا جبر له عليها كالقاضي ونحوه، فشرط صحة تزويجه كونه مع وجود بلوغها وبعد إثبات باقي الأسباب غير البلوغ من توكيلها وكفاءة الزوج ورضاها به وبالصداق، وأنه صداق مثلها وأنها يتيمة لا أب لها ولا وصي لها أو لها أب مفقود أو أسير أو بعيد كإفريقية من مصر وأنها خلو من زوج وعدة، وأنها صحيحة غير محرمة بحج أو عمرة ولا محرمة على الزوج فإن اختل واحد من هذه الأسباب بإقرار الزوج أو بينة فسد النكاح فيما عدا صداق المثل أما هو فيخير الزوج في تكميله أو يفسخ ولا عبرة برضاها إن كانت مهملة غير رشيدة فإذا لم يعثر عليه حتى دخل كمله وجوباً وإن كانت رشيدة مضى عليها قبله وبعده كما مرّ وإن لم يقر الزوج ولا شهدت البينة وسقط من الوثيقة شيء من ذلك ففي التوكيل والرضا بالزوج القول لها في عدم ذلك إن كان النزاع قبل الدخول لا بعده كما مرّ في التنبيه الثالث عند قوله‏:‏ فالصيغة النطق بما كأنكحا الخ‏.‏ وفي البرزلي عن ابن رشد على ما يعطيه سياقه أوائل الأنكحة فيمن زوج ابنته من خمسة عشر سنة وادعت بعد الدخول عدم البلوغ أن النكاح ماض ولا يقبل قول وليها أنها غير بالغ، وظاهره أنه لا ينظرها النساء لأن نظرهن مقصور على الإنبات أو معرفة ذلك في وجهها وقدها والبلوغ لا ينحصر في ذلك كما مرّ عند قوله‏:‏ والمهر والصيغة الخ‏.‏ وفي السادس عشر من الفائق أنها تكلف بإثبات عدم بلوغها ولا يقبل في ذلك أقل من امرأتين وإن بينة البلوغ وعدمه إن تعارضتا صير للترجيح، وقد تقدم هناك عن ابن المكوى أن النكاح على الصحة والسلامة وإلا سقط من رسمه خلو من زوج وعدة يعني‏:‏ وكذلك الكفاءة واليتم لأن الأصل في العقود الصحة وفي الوثائق الفشتالية أنه إن سقط من الرسم في نكاح الثيب خلو من عدة وادعت بعد العقد أنها حامل أو لم يأتها قرء فمنهم من قال يقبل قولها ويفسخ النكاح، وبه قال ابن عتاب، ومنهم من قال لا يقبل قولها، وبه قال ابن القصار والأول أبين اه‏.‏ فما مر عن ابن المكوى جار على ما لابن القصار إذ الظاهر أنه لا فرق بين البكر والثيب ولا بين تزويج القاضي وغيره ممن لا جبر له في هذا، وكذا فيما عداه من البلوغ والكفاءة واليتم وغير ذلك من الأسباب مما عدا الرضا والتوكيل فيجري في ذلك كله الخلاف المذكور لأن الكل موانع فما قيل في أحدها يقال في الآخر وبه تعلم ما في قول ‏(‏ح‏)‏ لم أر فيه نصاً، ومفهوم قوله‏:‏ فمع بلوغ الخ‏.‏ أن غير البالغ لا يصح تزويجها وهو كذلك ‏(‏خ‏)‏ إلا يتيمة خيف فسادها وبلغت عشراً وشوور القاضي أي فإن غير الأب ممن لا جبر له يزوج غير البالغ بهذه الشروط الثلاثة، وسواء كانت فقيرة أو غنية إذ مع خوف الفساد لا يشترط فقرها خلافاً ل ‏(‏ز‏)‏ فإن اختلت أو واحد منها صح إن دخل وطال، وإذا فسخ حيث لم يطل فهو طلاق وفيه الميراث إن مات أحدهما قبل الفسخ وفيه جميع المسمى إن دخل أو مات ونصفه إن طلق والطول بمضي مدة تلد فيها ولدين فأكثر بالفعل أو قدرها إن لم تلدهما والسنة والولد الواحد لغو كما في ابن عرفة‏.‏ وفي الفشتالية وأبي الحسن أن المشهور فسخه أبداً، ويؤيده أن الباجي عزاه لمالك وأصحابه وعزا الآخر لابن القاسم وحده في الموازية‏.‏

وحُيْثُمَا العَقْدُ لِقَاضٍ وُلِّي *** فَمَعْ كُفْءٍ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ

‏(‏وحيثما‏)‏ شرط كالذي قبله ‏(‏العقد‏)‏ نائب فاعل فعل مقدر يفسره ما بعده ‏(‏لقاض‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏ولي‏)‏ المفسر لذلك المقدر ‏(‏فمع‏)‏ الفاء داخلة على محذوف جواب الشرط كما مرّ نظيره فى البيت قبله أي‏:‏ فشرط صحته كونه مصحوباً لوجود ‏(‏كفء‏)‏ و‏(‏بصداق المثل‏)‏ وغير ذلك من باقي الأسباب ففيه حذف الواو مع ما عطفت لدلالة ما في البيت قبله عليه، وليس هذا البيت بضروري الذكر مع الذي قبله لأن غير الأب يشمل حتى القاضي كما مرّ، وإنما ذكره عقبه لئلا يتوهم قصور الحكم في الذي قبله على ولي النسب قاله ‏(‏م‏)‏‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ إنما تكون الولاية للقاضي إن كان يقيم السنة ويهتبل بما يجوز به العقد، وإلاَّ فلا قاله ابن لبابة ونقله ‏(‏ق‏)‏‏.‏

الثاني‏:‏ إذا شهد الشهود بأنه كفء أو غير كفء فلا تقبل شهادتهم إلا بعد استفسارها لأن الكفاءة تختلف في نظر العلماء فلا تقبل مجملة حتى يقولوا هو كفء لها في الحال والمال والدين والحرية على نحو ما مرّ قبل هذين البيتين، أو يقولوا هو غير كفء لها لكونه فاسقاً بالجارحة أو بالاعتقاد أو لكونه عبداً أو فقيراً أو نحو ذلك، وإن تعارض شهود الكفاءة وعدمها أو غير ذلك من الأسباب فقد تقدم حكم ذلك آخر الشهادات ثم لا فرق بين أن تكتب الأسباب المذكورة في رسم على حدته ويكتب رسم النكاح تحتها أو حولها أو عرضها ويحال عليها، وبين أن تضمن في رسم النكاح نفسه بأن يقولوا في آخر الوثيقة المتقدمة كيفيتها عند قوله‏:‏ والمهر والصيغة الخ‏.‏ ما نصه‏:‏ شهد عليهما أو عليهم وهم بأتمه وعرفهم من يعرف وجود جميع الأسباب المنصوصة في هذا الرسم معرفة عيان لا سماع أو شبه ذلك فإن لم يقولوا هذا كان ذكرهم تلك الأسباب في الرسم مجرد حكاية محتمل لمعرفتهم إياها معرفة العيان أو السماع فلا تعارض حينئذ شهادتهم البينة بعدم البلوغ ونحوه إن كانوا من غير أولي العلم كما مرّ هناك، وكذا إن كان الناكح لها وصياً أو مقدم القاضي أو كافلها لا بدّ أن تكتب رسمي الإيصاء والكفالة، ثم رسم النكاح تحتهما أو تضمن ذلك في رسم النكاح فتقول‏:‏ شهد عليهما وهما بأتمه من يعرف الإيصاء أو التقديم أو بإشهاد والد الزوجة أو والد الزوج على أنفسهما بذلك في عهده الذي توفي فيه كل واحد منهما أو بإشهاد القاضي فلان بذلك مع معرفته بالمتوفي أو بالقاضي عيناً واسماً قاله في طرر ابن عات، ونقله في الفشتالية قالا‏:‏ وإذا اقتصرت على قولك من يعرف الإيصاء ولم تفسره بإشهاد الموصيين أو القاضي احتمل أن تكون معرفة سماع أي‏:‏ وهي لا تفيد إلا بشروط، وكذا تقول في الكفالة من يعرف كفالته لها عشراً أو أربعاً ونحو ذلك معرفة عيان، وهذا كله مبني على أن الإرسال في مستند العلم من غير أولي العلم مضر، وقد تقدم ما في ذلك من الخلاف في باب الشهادات وعلى أنه مضر درج ابن فتوح فإنه لما ذكر أنه إذا عقد في وثيقة مثل اشترى فلان من فلانة جميع الملك الكذا المتصير إلى البائعة بالابتياع من فلان أو بالميراث من أبيها أو بالصدقة من فلان قال‏:‏ فإن تضمن الإشهاد معرفة الشهود بذلك ثبت التصيير المذكور، وإلا لم يصح ذلك ثم قال‏:‏ وتحصين ذلك أن تقول‏:‏ شهد على إشهاد المبتاع والبائعة على أنفسهما من عرفهما وهما بحال الصحة وجواز الأمر ممن عرف أن جميع المبيع المذكور تصير إلى البائعة فلانة بالابتياع من فلان بإشهادهما بذلك على أنفسهما أو بالصدقة من فلان بإشهاده على نفسه بذلك أو بالميراث المذكور وعرف موت أبيها فلان وأن أهل الإحاطة بميراثه في علمهم أبناء فلان وفلانة المذكوران المالكان لأنفسهما وعرف اقتسامها مع أخيها، وأن المبيع المذكور صار إليها بالاقتسام المذكور بإشهادهما بذلك على أنفسهما اه‏.‏ فانظر كيف التزم التصريح فيما أراد إثباته ببيان مستند الشهادة، وذلك إشهاد المتبايعين والمتصدق والمقتسمين وما ذاك إلا لكون الشهادة المرسلة عنده ناقصة، وقد قال في الفائق‏:‏ اعلم أن مدار الوثائق على ما يتضمنه الإشهاد وما يأتي فيها من خبر وحكاية لم يتضمنه معرفة الشهود فليس يثبت بثبوت الوثيقة الخ‏.‏ ولذلك لم يثبت التصيير ونحوه بقولهم المتصير إلى البائعة بالابتياع بل حتى يقولوا تصير لها من فلان بإشهادهما أي ومعرفته إياهما عيناً واسماً كما مر، ثم إذا لم يثبت التقديم ولا الإيصاء ولا الكفالة للإجمال والإرسال فإن كان الشهود أحياء استفسروا وإلا بطل كل من ذلك إن لم يكونوا من أولي العلم وينظر في النكاح فإن كانت المرأة دنيئة صح لقول ‏(‏خ‏)‏ وصح بها في دنيئة مع خاص لم يجبر كشريفة دخل وطال الخ‏.‏ إذ كل من هؤلاء أجنبي حينئذ‏.‏

وَتَأْذَنُ الثَّيِّبُ بِالإِفْصَاحِ *** والصَّمْتُ إذْنُ البِكْرِ فِي النِّكَاحِ

‏(‏وتأذن‏)‏ مضارع أذن ‏(‏الثيب‏)‏ فاعله ‏(‏بالإفصاح‏)‏ تعلق بتأذن ‏(‏والصمت‏)‏ مبتدأ ‏(‏ إذن البكر‏)‏ خبره ‏(‏في النكاح‏)‏ يتعلق بالخبر‏.‏ ولما كانت الثيب البالغ الحرة لا تتزوج إلا برضاها كما مرّ إذ لا جبر عليها، وكذا البكر التي لا جبر عليها نبه على أن الرضا من الثيب بالزوج والصداق والتوكيل هو ما وقعت الدلالة منها عليه بالنطق والإفصاح وأن الرضا من البكر بما ذكر يكفي في الدلالة عليه صمتها وسكوتها لقوله ‏(‏ صلى الله عليه وسلم‏)‏‏:‏ ‏(‏البكر تستأمر وإذنها صمتها والثيب تعرب عن نفسها‏)‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وندب إعلامها به أي بأن صمتها إذن ورضا بأن يقال لها‏:‏ فلان خطبك بصداق قدره كذا ونقده ومؤخره كذا فإن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي يقال لها ذلك مرة واحدة وقيل ثلاثاً فإن صمتت أو ضحكت أو بكت زوجت ولا يقبل منها بعد ذلك أنها جهلت أن الصمت رضا في تأويل الأكثر إلا أن تكون معروفة بالبله وقلة المعرفة على قول‏:‏ فإن تكلمت وأفصحت بالرضا فقد تكلفت ما لا يلزمها ولا يضرها ذلك نقله القلشاني وابن سلمون وغيرهما‏.‏ وقد علق بحفظي أنها تجري عندهم على من فرضهم المسح فغسل الخ‏.‏ لا إن منعت أو نفرت فلا تزوج ويفسخ ولو بعد طول، وما تقدم من أنه لا بدّ من إذنها في التوكيل بعد الرضا بالزوج والصداق ظاهر مع تعدد الولي وتساويه ابن زرب‏:‏ إن كان لها ولي واحد ورضيت بالزوج والصداق فلا يحتاج ذلك الولي للإذن له في العقد وظاهر قول ‏(‏خ‏)‏ المتقدم أنه لا يعقد عليها إلا بإذنها له ولو اتحد قال في ضيح، وهو قول ابن القاسم‏.‏ ولما كان قوله‏:‏ والصمت الخ‏.‏ شاملاً لجميع الأبكار وكان بعضهن لا بد فيه من الإذن بالقول حسبما قاله أهل المذهب نبه على ذلك فقال‏:‏

واسْتُنْطِقَتْ لِزَائِدٍ في العَقْدِ *** كَقَبْضِ عَرْضٍ أَوْ كَزَوْجِ عَبْدِ

‏(‏واستنطقت‏)‏ بالبناء للمفعول ونائبه البكر ‏(‏لزائد‏)‏ يتعلق به ولامه للتعليل وهو اسم فاعل أريد به المصدر أي لزيادة ‏(‏في العقد‏)‏ مخالفة لصريح العادة ‏(‏كقبض عرض‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك كقبض عرض في صداقها أي زوجت بعرض كثوب أو دار مثلاً لأن العادة أن الأصدقة من النقود فإذا خولفت هذه العادة وزوجت بغير النقد فلا بد من رضاها به بالقول، سواء كان العرض كل الصداق أو بعضه لأنها بائعة مشترية والشراء لا ينعقد بالصمت، فإن كانت عادتهم التزوج بالعروض فلا يحتاج لنطقها ‏(‏وكزوج عبد‏)‏ معطوف على ما قبله يليه والإضافة على معنى من أي وكتزويجها من عبد ويجوز قراءة زوج بالتنوين وعبد صفة له أي ذو عبودية وظاهره‏:‏ ولو قل جزء رقه ولا يتكرر هذا مع قوله‏:‏ والأب إن زوجها من عبد الخ‏.‏ لأن هذا من حيث النطق، وما تقدم من حيث الجبر أي أن رضاها الذي لا يكون متعدياً به لا بد أن يكون بالنطق فالرضا أعم من النطق فما تقدم لا يفهم منه ما هنا، وأشعرت الكاف أن ذلك لا ينحصر في المثالين المذكورين وهو كذلك ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والثيب تعرب كبكر رشدت أو عضلت أو زوجت بعرض أو رق أو عيب أو يتيمة قبل البلوغ أو افتيت عليها الخ‏.‏ ونظمها ابن غازي، وزاد فيها العنس تبعاً للمتيطي وغيره فقال‏:‏

سبع من الأبكار بالنطق خليق *** من زوجت ذا عاهة أو من رقيق

أو صغرت أو عنست أو أسندت *** معرفة العرض لها أو رشدت

أو رفعت لحاكم عضل الولي *** أو رضيت ما بالتعدي قد ولي

وإنما كانت سبعاً لأن ذا العاهة والرقيق قسم واحد كما في المتيطية لأنها زوجت من غير كفء فيها، وظاهر لفظ ‏(‏خ‏)‏ أن العانس كغيرها يكفي في إذنها الصمت وهو ظاهر لأن له جبرها على المشهور كما مرّ، وسيأتي حد التعنيس في قوله في الأوصياء‏:‏

والسن في التعنيس من خمسينا *** فيما به الحكم إلى الستينا

وهذه السبع المتقدمة كلهن يتيمات ما عدا المعضولة والمرشدة والمعنسة، ومن زوجت من ذي عاهة أو رق فلا بد من نطقهن كن ذوات أب أو وصي أم لا‏.‏ وقوله‏:‏ أو عضلت أي عضلها الولي أب أو غيره، وثبت ذلك وأراد الحاكم أن يزوجها لا الأب وإلاّ فلا يحتاج لنطقها ولا ترتفع ولاية الأب عنها حتى يتقدم له في ذلك فيقال له‏:‏ إما أن تزوجها وإلا زوجناها عليك فإن زوجها الحاكم من غير تقدم له في ذلك فهو باطل، وليس من العضل ولا من الضرر بها حلق ضفيرتها وتهديدها بالسكين وأولى ضربها كما في المعيار أوائل الأنكحة‏.‏ وقول الناظم‏:‏ كقبض عرض الخ‏.‏ يعني وهي يتيمة مهملة لا مرشدة لأن المرشدة لا بد من نطقها مطلقاً زوجت بعرض أو غيره على المشهور واليتيمة المهملة هي التي فيها التفصيل بين العرض وغيره قال في المتيطية‏:‏ واليتيمة يساق لها مال نسبت معرفته لها إذا لم يكن لها وصي لا بد من نطقها بالرضا بذلك اه‏.‏ ونحوه في ابن سلمون عن ابن الحاج قال طفي‏:‏ ومعنى ذلك أن اليتيمة التي لا وصي لها ينسب معرفة قدر المهر إليها فإن كان عرضاً فلا بد من تسميته ووصفه وتنسب المعرفة والرضا به إليها نطقاً اه‏.‏ فالمراد بالمال في كلام المتيطي وغيره خصوص العرض كما هو واضح خلافاً لمن فهم شموله للعين، وقوله‏:‏ يساق أي يصدق الخ‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ذكر ابن لب حسبما في أواخر معاوضات المعيار ما نصه‏:‏ الغرض منه إذا صارت الدمنة المذكورة صداقاً انعقد عليها لزمت برضا الزوج والزوجة والولي ورضا الزوجة هو الاستئمار على سنته لا يضر سكوتها فيه مع أن الصداق أصل ملك كما لا يضر في العروض وهو الصحيح من القولين وعليه العمل اه‏.‏ ونحوه لابن عات في طرره مقتصراً عليه من غير ذكر عمل قال‏:‏ فإن كان في المهر سياقة قلت في الاستئمار ما ذكره ابن الطلاع في وثائقه‏:‏ أنكحه إياها أخوها فلان بعد أن استأمرها في ذلك بفلان زوجاً وبما بذل لها مهراً وبما ساق إليها، ووصف ذلك وصفاً قام مقام العيان فصمتت عند ذلك راضية بهذا النكاح بعد أن عرفت أن إذنها صماتها وهي بكر يتيمة اه‏.‏ وهو مقابل لما مر سواء قلنا إنه في اليتيمة المهملة كما هو ظاهرها أو في المرشدة، وقوله‏:‏ ووصف ذلك الخ‏.‏ يعني إذا لم يمكن إحضاره كحائط مثلاً ولم تتقدم رؤيته‏.‏

الثاني‏:‏ قال في المتيطية‏:‏ فإن لم تتكلم يعني المرشدة فعليها أن تحلف أن سكوتها لم يكن رضا اه‏.‏ وهذا يجري في كل مستنطقة من الأبكار فإن لم يعلم إذنها بصمت ولا غيره، ففي الطرر قال ابن فتحون‏:‏ إنما فسخ نكاح محمد بن نصر لأن أباها زوجها بعد أن رشدها ولم يعلم إذنها بصمت ولا غيره فكان ذلك بمنزلة ابنته الثيب ولم يستأمرها اه‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الطرر‏:‏ ولا يلزم الزوجة بيع السياقة ولا ما يصدقها من عرض أو حيوان لتتجهز بثمن ذلك، ولها إن شاءت ذلك اه‏.‏ فقول ‏(‏خ‏)‏ ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته يعني عيناً لا عرضاً‏.‏

وَثَيِّبٌ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ *** وبالْحَرَامِ الْخُلْفُ فِيها يجْرِي

‏(‏وثيب‏)‏ مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف أي وبكر ثيب أو تعلق ‏(‏بعارض‏)‏ به ‏(‏كالبكر‏)‏ خبر أي أن الثيب بعارض كحمل شيء ثقيل أو قفزة أو عود أو كثرة ضحك أو تكرر حيض، ونحو ذلك حكمها حكم البكر في أن إذنها صماتها، وفي بقاء الجبر عليها إن كان لها مجبر ولم تكن من الأبكار المتقدمات فالتشبيه تام أي‏:‏ كالبكر التي لم تثيب بشيء فلا يلزم عليه تشبيه الشيء بنفسه ودفع بهذا ما يتوهم أن الثيب بعارض تستنطق كما يستنطق غيرها، ثم ينبغي للإنسان إذا زالت بكارة بنته بشيء مما مر أن يشهر ذلك، ويأتي بشهود يشهدهم بذلك‏.‏ وكذا إذا خلقت بنته يوم عاشوراء فإنهم قالوا تخلق بلا بكارة نص عليه ابن حبيب في الواضحة ‏(‏و‏)‏ بكر ثيب ‏(‏بالحرام‏)‏ يتعلق بمقدر مبتدأ كما ترى ‏(‏الخلف‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏فيها‏)‏ يتعلق بالخبر الذي هو ‏(‏يجري‏)‏ والجملة من الثاني وخبره خبر الأول، والمعنى أن الثيب بالحرام كزنا وغصب جرى خلاف في كونها كالبكر فإذنها صماتها وينسحب جبر الأب أو وصيه عليها وهو المعتمد، ومذهب المدونة أو ليست كالبكر بل كالثيب فتعرب عن نفسها ولا جبر عليها وهو لابن الحاجب، وفيها قول ثالث ابن عرفة‏:‏ وفي ثيوبة الزنا‏.‏ ثالثها‏:‏ إن تكرر ثم شبه في الخلاف المذكور فقال‏:‏

كَوَاقِعٍ قَبْلَ البُلُوغِ الْوَارِدِ *** وكالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدِ

‏(‏كواقع‏)‏ نعت لمحذوف مع تقدير مضاف إليه مع صفته والوارد بمعنى الحادث أي الذي من شأنه أن يحدث ويرد أي وثيوبة بالحرام جرى فيها خلاف كجريانه في ثيوبة نكاح صحيح واقعة ‏(‏قبل البلوغ الوارد‏)‏ أي الذي من شأنه أن يرد ويحصل بحيض أو غيره من العلامات، ثم يموت الزوج أو يطلق بعد تلك الثيوبة فترجع للأب قبل البلوغ‏.‏ وظاهره سواء أراد أن يزوجها قبل البلوغ أيضاً أو بعده‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وفي جبر مطلقة قبل البلوغ ثيباً‏.‏ ثالثها‏:‏ قبله لسحنون وأبي تمام واللخمي مع أشهب، واعتمد ‏(‏خ‏)‏ الثالث فقال‏:‏ والثيب إن صغرت فمفهوم صغرت أنها إن بلغت لا يجبرها، ولا بد من إعرابها وهو كذلك على الراجح، وقيل‏:‏ يجبرها أيضاً وهو الأول في كلام ابن عرفة‏:‏ فإطلاق الناظم شامل للصورتين أي أراد تزويجها قبل البلوغ أو بعده كما قررنا وليس لغير من الأولياء أن يزوجها إلا بعد بلوغها كما مرّ إلا أن يخشى فسادها فلا بد من نطقها حينئذ كما مرّ أيضاً، وإنما ذكر الوصف في قوله‏:‏ كواقع لأن الثيوبة معنى لا فرج لها حقيقي فيجوز التذكير والتأنيث، وإنما حملناه على الثيوبة بالنكاح الصحيح لأن الثيوبة بالعارض أو بالحرام تقدمتا وبالفاسد هو ما أشار لها بقوله‏:‏ ‏(‏ وكالصحيح‏)‏ خبر مقدم ‏(‏ما‏)‏ مبتدأ واقعة على الثيوبة ‏(‏بعقد‏)‏ يتعلق بمحذوف صلة ‏(‏ فاسد‏)‏ نعت لعقد أي الثيوبة التي ثبتت بعقد نكاح فاسد كالثيوبة بالنكاح الصحيح في كونها تعرب عن نفسها وفي سقوط الجبر عنها‏.‏ واعلم أن مقصود الناظم بهذين البيتين التنبيه على أن الثيب بشيء مما مر هل هي كالثيب في وجوب إعرابها عن نفسها أو هي كالبكر لأن سياق الكلام إنما هو في ذلك فالبيتان حينئذ في قوة الاستثناء من عموم قوله‏:‏ وتأذن الثيب بالإفصاح الخ‏.‏ أي اتفاقاً إلا التي ثيبت بعارض فهي كالبكر وإلاَّ التي ثيبت بحرام أو قبل البلوغ ففيهما خلاف‏.‏ وقد علمت الراجح ما هو من ذلك الخلاف كما أن قوله‏:‏ واستنطقت لزائد الخ‏.‏ في قوة الاشتثناء من قوله‏:‏ والصمت إذن البكر الخ‏.‏ وليس مراده أن التي ثيبت بما ذكره هل تجبر أو لا تجبر كما قرره به شراحه لأنه خلاف ما يعطيه السياق ولأنه مستغنى عنه حينئذ بمفهوم قوله‏:‏ فيما مر ثيوبة النكاح الخ‏.‏ كما مرّ ولأنه لو كان غرضه ذلك لقدمها هناك عقب قوله وبالغ الأبكار فتأمل ذلك والله أعلم‏.‏

وإنْ يُرْشدْهَا الْوَصِيُّ مَا أُبِي *** فيها ولايَةُ النِّكاحِ كالأبِ

‏(‏وأن يرشدها‏)‏ شرط ‏(‏الوصي‏)‏ فاعل ‏(‏ما‏)‏ نافية ‏(‏ أُبي‏)‏ بضم الهمزة للبناء للمفعول بمعنى منع ‏(‏فيها‏)‏ يتعلق به ‏(‏ولاية‏)‏ نائب الفاعل ‏(‏النكاح‏)‏ مضاف إليه ‏(‏كالأب‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف أي وهو كالأب، ويحتمل أن الكاف للتعليل أي لأنه بمنزلة الأب يرشد ابنته فلا تسقط ولايته عنها، وإنما يسقط عنها جبره كما مرّ، والجملة من قوله‏:‏ ما أُبي الخ‏.‏ جواب الشرط حذفت معه الفاء شذوذاً كقوله‏:‏ من يفعل الحسنات الله يشكرها‏.‏ وقوله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏، وشرف وكرم‏:‏ ‏(‏فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها‏)‏ والمعنى أن الوصي إذا رشد محجورته بعد الدخول بها لا قبله إذ ليس له ذلك كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وللأب ترشيدها قبل دخولها كالوصي بعده الخ‏.‏ أنها إذا تأيمت بعد الترشيد لا تنقطع ولاية الوصي عنها وهو مقدم على سائر الأولياء لأنه بمنزلة الأب يرشد ابنته، فكما أن الأب لا تنقطع ولايته عن مرشدته فكذلك وصيه، اللهم إلا أن يكون لها ابن فإنه يتقدم عليه كما يتقدم على الأب أيضاً كما مر‏.‏ هذا هو المنصوص لابن القاسم وأشهب، وأفتى به ابن رشد‏.‏ وذهب سحنون وابن الماجشون إلى أن الولي أحق من الوصي واختاره اللخمي، ولكل مذهب حجة‏.‏ انظر الشارح وسيعيد الناظم هذه المسألة في باب الحجر حيث قال‏:‏

وحيث رشد الوصي من حجر *** ولاية النكاح تبقى بالنظر

والله أعلم وأحكم‏.‏

فصل ‏[‏في حكم فاسد النكاح‏]‏

وما يتعلق به من إلحاق الولد تارة ونفيه أخرى، وهل يفسخ أو يتلافى إلى غير ذلك‏.‏

وَفَاسِدُ النِّكاحِ مَهْمَا وَقَعَا ***فالفَسْخُ فِيهِ أو تَلاَفٍ شُرِعا

‏(‏وفاسد النكاح‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه من إضافة الصفة للموصوف ‏(‏مهما‏)‏ اسم شرط ‏(‏ وقعا‏)‏ فعل الشرط وألفه للإطلاق ‏(‏فالفسخ‏)‏ مبتدأ وفاؤه رابطة بين الشرط وجوابه ‏(‏ فيه‏)‏ يتعلق بشرعاً آخر البيت ‏(‏أو تلاف‏)‏ معطوف على الفسخ ‏(‏شرعاً‏)‏ بالبناء للمفعول خبر عن الفسخ وألفه للتثنية، والجملة جواب الشرط، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول، ومعناه أن النكاح إذا وقع فاسداً فإنه يرجع فيه إلى أحد أمرين، إما الفسخ أو التلافي وهو التدارك ثم بين محل كل منهما فقال‏:‏

فَما فَسَادُهُ يَخُصُّ عَقْدَهُ *** فَفَسْخُهُ قَبْلَ البِنَا وَبَعْدَهُ

‏(‏فما‏)‏ موصول مبتدأ والفاء جواب شرط مقدر أي إن أردت معرفة ما يفسخ أو يتلافى فما ‏(‏فساده‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏يخص‏)‏ بالبناء للفاعل وفاعله ضمير الفساد ‏(‏عقده‏)‏ مفعول بيخص والجملة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره صلة ما والضمير في فساده وعقده يعود على النكاح ‏(‏ففسخه‏)‏ مبتدأ ‏(‏قبل البنا‏)‏ ء خبره ‏(‏وبعده‏)‏ معطوف عليه، والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول الذي هو ما ودخلت الفاء في هذا الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم الإبهام، والمعنى أن النكاح إذا وقع فاسداً لعقده كالنكاح لأجل ونكاح الخامسة أو ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهر وإنكاح المحرم والعبد والمرأة وصريح الشغار وإنكاح غير المجبر مع وجود المجبر ونكاح المريض وتزويج الرجل عبده من امرأة على أن العبد هو صداقها ونحو ذلك، فإنه يفسخ قبل البناء وبعده، ثم إذا فسخ قبل البناء فلا شيء فيه، وإن فسخ بعد البناء ففيه المسمى إن كان وإلاَّ فصداق المثل ثم ما كان متفقاً على فساده من ذلك كنكاح الخامسة، وذات محرم يفسخ بلا طلاق كما سيشير له قبل باب النفقات بقوله‏:‏

وفسخ ما الفساد فيه مجمع *** عليه من غير طلاق يقع

ويفهم منه أنه لا يحتاج لحكم وهو كذلك لأنه مفسوخ شرعاً، ولذا لو عقد عليها شخص قبل الفسخ صح نكاحه لأن العقد الأول كالعدم ولا يمضي فيه الخلع وإن وقع، وما كان من ذلك مختلفاً فيه اختلافاً قوياً ولو خارج المذهب كإنكاح المحرم والشغار وإنكاح العبد والمرأة فالفسخ بطلاق كما سيشير له الناظم أيضاً بقوله‏:‏

وفسخ فاسد بلا وفاق *** بطلقة تعد في الطلاق

ومن يمت قبل وقوع الفسخ *** في ذا فما لإرثه من نسخ

الخ‏.‏

ويمضي فيه الخلع إن وقع، وأشار ‏(‏خ‏)‏ لهذا التقسيم بقوله‏:‏ وفسخ مطلقاً أي قبل الدخول وبعده كالنكاح لأجل أو إن مضى شهر فأنا أتزوجك الخ‏.‏ أي‏:‏ وقصدا بذلك انبرام العقد ولم يأتنفا غيره، ثم قال‏:‏ وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار والتحريم بعقده ووطئه وفيه الإرث إلاَّ نكاح المريض لا إن اتفق على فساده فلا طلاق ولا إرث كخامسة وحرم وطؤه فقط وما فسخ بعده فالمسمى وإلا فصداق المثل الخ‏.‏ وظاهر النظم أن كل فاسد لعقده يجري فيه الحكم المذكور لأن ما مر من قوله فما فساده الخ‏.‏ من ألفاظ العموم وليس كذلك لأن من الفاسد لعقده ما يثبت بعد بمهر المثل كما يأتي في البيت بعده‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ إذا علمت المرأة بموجب الفسخ كمحرم ومعتدة تزوجت في عدتها عالمة كل منهما بالحرمة والزوج غير عالم بذلك، فللزوج الرجوع بالصداق وإن لم يعثر على ذلك حتى دخل انظر ‏(‏ز‏)‏ في خيار الزوجين و‏(‏ح‏)‏ في التدليس بالعيوب في المبيع‏.‏

الثاني‏:‏ قول ‏(‏خ‏)‏ إن مضى شهر فأنا أتزوجك الخ‏.‏ هو من تعليق النكاح والتعليق فيه لا يصح ولذا قال القائل‏:‏

لا يقبل التعليق بيع ونكاح *** فلا يصح بعت ذا إن جاء فلاح

وفي الشامل ما نصه مالك‏:‏ وإن قال إن جئتني بخمسين فقد زوجتك ابنتي لا يعجبني ولا تزوج له اه‏.‏ وكذا إن قال‏:‏ إن عبرت الوادي أو صعدت على قنة الجبل فقد أعطيتك ابنتي فإنه لا يصح أيضاً بالأحرى مما قبله إذ لا منفعة للقائل في عبر الوادي ولا في صعود الجبل فإن قال له‏:‏ إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي فإنه يجوز وينعقد بنفس الفراق فإن قال‏:‏ فأنا أزوجك بالمضارع فلا يجبر على تزويجها منه قال في الشامل‏:‏ والقياس جبره لأنه وعد أدخله بسببه في فراق زوجته كما لو قال‏:‏ بع فرسك منه والثمن علي اه‏.‏ ولما نقل في الالتزامات قول أشهب بعدم الجبر قال‏:‏ وهو مبني على أن العدة لا يقضي بها ولو كانت على سبب ودخل في السبب، والثاني مبني على أنه يقضي بها إن كانت على سبب ودخل فيه أي‏:‏ وهو المشهور وفي أنكحة المعيار من قال لغيره‏:‏ طلق امرأتك وأزوجك ابنتي فطلقها فأبى من تزويجها إياه أن يلزمه أحد أمرين‏:‏ إما التزويج أو إعطاء الصداق وأعادها أيضاً في نوازل الطلاق، وانظر الأنكحة من القلشاني وفي الالتزامات بعد ما مر بأوراق في رجل أراد السفر إلى الحج مع أمه فقال له عمه‏:‏ اترك السفر مع أمك وأزوجك ابنتي وأعطيك عشرة مثاقيل فترك السفر مع أمه، ثم قام بعد أشهر يطلب العدة فقال ابن الحاج‏:‏ إنه يحكم على عمه بدفع العشرة مثاقيل وينكحه ابنته إلا أن يكون قد عقد نكاحها مع أحد فلا يحل النكاح، وذلك لأنها عدة قارنها سبب، وبذلك أفتى ابن رشد أيضاً اه فقال ‏(‏ح‏)‏ عقبه ففهم منه أن من التزم لشخص أن يزوجه مجبورته فإنه يقضي عليه به إلا أن يعقد نكاحها لغيره فإنه لا يفسخ اه‏.‏

قلت‏:‏ وتأمل هذا مع ما في أجوبته للقوري نحو الكراسين في رجل قال لآخر‏:‏ إن أتيتني بكذا من موضع كذا، والموضع مخوف أعطيتك ابنتي أن النكاح غير لازم، واستدل له بما في العتبية فيمن وقع له صبي في جب فقال لرجل‏:‏ إن أخرجته فقد زوجتك ابنتي فأخرجه فقال ابن القاسم‏:‏ إن ذلك لا يجوز ولا يكون فيه النكاح، وأرى له أجرة مثله في إخراجه إياه حياً أو ميتاً اه‏.‏ فهذا قد عبر بالماضي وأدخله في السبب، ومع ذلك لم يلزمه إياه فهو معارض بحسب الظاهر لمسألة إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي، وقد تقدم الجزم فيها باللزوم بنفس الفراق، وقد علمت أنه لا عدة فيهما لتعبيره بالماضي فيهما، وفي أنكحة المعيار أن من قال‏:‏ من ركب فرسي فهي بابنته لا يلزمه نكاح وأخذت من قوله‏:‏ إن جاء غداً فقد راجعتك فلا تكون رجعة، وانظر أنكحة العلمي فيمن قال‏:‏ إن وُلد لك ولد فله ابنتي، وانظر إذا قلنا بلزوم النكاح في ذلك ما قدر الصداق، والظاهر أنه كنكاح التفويض إن فرض المثل لزمه وإلاَّ فلا، وانظر ما يأتي عند قوله‏:‏ ويفسد النكاح بالإمتاع الخ‏.‏

ومَا فَسادُهُ مِنَ الصَّداقِ *** فَهُوَ بمَهْرِ المِثْلِ بَعْدُ باقِي

‏(‏وما‏)‏ موصول مبتدأ ‏(‏فساده‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏من الصداق‏)‏ خبر عن الثاني، والجملة صلة ما ‏(‏فهو‏)‏ مبتدأ ‏(‏بمهر المثل بعد‏)‏ يتعلقان بالخبر الذي هو ‏(‏باق‏)‏‏.‏ والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول والمعنى أن النكاح الفاسد لصداقه كما لو أصدقها خمراً أو خنزيراً أو حراً أو عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً أو جلد ميتة أو زيتاً متنجساً، ونحو ذلك مما لا يصح بيعه فإنه يفسخ قبله وجوباً ويثبت بعده بمهر المثل لأن الصداق كالثمن فما صح كونه ثمناً صح كونه صداقاً، وما لا فلا ‏(‏خ‏)‏‏:‏ الصداق كالثمن ثم قال‏:‏ وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم إلى أن قال‏:‏ أو بما لا يملك كخمر وحر أو بإسقاطه أو كقصاص أو آبق الخ‏.‏ وقوله‏:‏ أو كقصاص يعني لم يجعلا شيئاً في مقابلة البضع إلا سقوط القصاص عنها أو عن غيرها‏.‏ ثم إنه يلحق بما فسد لصداقه في كونه يثبت بعد بصداق المثل أمور فاسدة لعقدها أشار لها ‏(‏خ‏)‏ بقوله وقبل الدخول وجوباً على أن لا يأتيه إلا نهاراً أو بخيار لأحدهما أو غير أو على إن لم يأت بالصداق لكذا فلا نكاح وما فسد لصداقه أو على شرط يناقض المقصود كان لا يقسم لها الخ‏.‏ وفهم من قوله بعد‏:‏ إنه يفسخ قبله ولا شيء فيه، وكذا إن مات أحدهما قبل الفسخ كما لابن رشد في أجوبته‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ ذكر البرزلي عن أبي عمران أن من الفاسد لصداقه كما بالقيروان من جرت عادتهم برد النقد للزوج بعد الغيبة عليه لأنه نكاح وسلف لأن العادة كالشرط فيفسخ قبل، ويثبت بعد بصداق المثل كأن اشترط الرد ولم يغب عليه كان النكاح صحيحاً‏.‏ البرزلي‏:‏ هذا إن كانت عادة لا تتخلف أو وقع الشرط فالحكم ما ذكر، وأما لو كانت تتخلف وفي الناس من يرد ومن لا يرد فيجوز الرد قبل الغيبة وبعدها إذ ليس بشرط لاختلاف العادة اه‏.‏ وانظر ما يأتي في فصل الفسخ‏.‏

الثاني‏:‏ قول ‏(‏خ‏)‏ أو بما لا يملك كخمر الخ‏.‏ هذا إذا لم يتبين أنه خل، أما لو نكحها على قلة خمر مطينة فتبين أنها خل فلا يتحتم الفسخ بل لهما البقاء عليه إن رضياه كما لو نكحها على أنها في العدة فظهر كونها في غيرها، ولمن شاء منهما فسخه لحجته بظهور خلاف المعقود فيه، ولا حجة لها في العدة لأنها حق لله تعالى قاله ابن عرفة عن اللخمي‏.‏

وَحَيْثُ دَرْءُ الحَدِّ يَلْحَقُ الوَلَدْ *** في كُلِّ مَا مِنَ النِّكاحِ قَدْ فَسَدْ

‏(‏وحيث‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط منصوب بجوابه ‏(‏درء الحد‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه والخبر محذوف، والجملة في محل جر بإضافة حيث ‏(‏يلحق الولد‏)‏ فعل وفاعل، والجملة مع متعلقها الآتي جواب الشرط ‏(‏في كل‏)‏ يتعلق بيلحق ‏(‏ما‏)‏ مضاف إليه ‏(‏من النكاح‏)‏ يتعلق بصلة ما التي هي ‏(‏قد فسد‏)‏ أي يلحق الولد في كل نكاح فاسد حيث درء الحد موجود، والمعنى أن النكاح الفاسد كان متفقاً على فساده كنكاح ذات محرم أو خامسة أو مختلفاً في فساده كالمحرم، والشغار إن درىء فيه الحد عن الزوج بعد علمه في الأوليين ومطلقاً في الأخيرتين لأن الخلاف ولو خارج المذهب يدرأ الحد، فإنه يلحق فيه الولد، ومفهومه أنه إن لم يدرأ فيه الحد لا يلحق الولد به لأنه محض زنا‏.‏ قالوا إلا في ست مسائل‏.‏ أشار صاحب المنهج إلى خمس منها بقوله‏:‏

ونسب والحد لن يجتمعا *** إلا بزوجات ثلاث فاسمعا

مبتوتة خامسة ومحرم *** وأمتين حرتين فاعلم

فصورة المبتوتة أن يتزوج الرجل المرأة فتلد منه فيقر أنه كان طلقها ثلاثاً، وراجعها قبل زوج وهو عالم بحرمة ذلك، وصورة الخامسة، أن يتزوج الرجل المرأة فيولدها ثم يقر أن له أربع نسوة سواها وأنه تزوجها وهو يعلم حرمة الخامسة وصورة المحرم أن يتزوج امرأة فيولدها ثم يقر إنه كان يعلم حرمتها عليه قبل الوطء بالنسب أو الرضاع أو الصهر أو المؤبد، وصورة إحدى الأمتين أن يشتري الرجل الأمة فيولدها ثم يقر إنها ممن تعتق عليه بالملك، وصورة الأخرى أن يشتري أمة فيولدها ثم يقر بأنه كان عالماً بحريتها حين الوطء وإلى هذه الخمس أشار ‏(‏خ‏)‏ بقوله في باب الزنا‏:‏ أو مملوكة تعتق أو يعلم حريتها أو محرمة بصهر أو خامسة أو مبتوتة الخ‏.‏ قالوا‏:‏ ولا يقتصر على هذه الخمسة بل ضابطه كل حد يثبت بالإقرار ويسقط برجوعه عنه فالنسب ثابت كالأمثلة المذكورة، وقد زيد على المسائل المذكورة من كانت عنده أمة فأولدها ثم أقر إنه غصبها من الغير، ومن اشترى جاريتين بالخيار في إحداهما ثم أقر إنه وطىء إحداهما بعد أن اختار الأخرى، ومن اشترى جارية فوطئها فقال له ربها‏:‏ ادفع لي ثمنها فأنكر الشراء وقال‏:‏ إنها عندي وديعة فهذه ثلاث مضمومة للخمس المتقدمة‏.‏

تنبيه‏:‏

محل اللحوق فيما ذكر إذا لم يثبت علمه بالتحريم قبل نكاحه لها أو وطئه إياها وإلا بأن ثبت ببينة على إقراره أنه عالم به قبل ذلك فهو محض زنا لا يلحق به الولد لأن الولد إنما ألحق به فيما ذكر لكون إقراره بالعلم بالتحريم لا يعمل بالنسبة لنفي الولد لاتهامه على قطع نسبه، وإنما يعمل بالنسبة لحده إن لم يرجع عن إقراره بخلافه إذا ثبت علمه قبل الوطء أو النكاح‏.‏

وَللَّتي كَانَ بِهَا اسْتَمتَاعُ *** صَدَاقُهَا لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعُ

‏(‏وللتي‏)‏ موصول ‏(‏كان بها‏)‏ خبر كان ‏(‏استمتاع‏)‏ اسمها‏.‏ والجملة من كان وما بعدها صلة والرابط المجرور بالباء ‏(‏صداقها‏)‏ مبتدأ واجب التأخير لتلبسه بضمير الخبر الذي هو الموصول المتقدم، والجملة من قوله ‏(‏ليس لها امتناع‏)‏ في محل رفع خبر ثان أو في محل نصب حال من الضمير في الخبر، والمعنى أن للزوجة التي دخل بها زوجها في النكاح الفاسد الذي يفسخ ولو بعد الدخول صداقها كاملاً لتقرره بالوطء وإن حرم كما مرّ في قول ‏(‏خ‏)‏ وما فسخ بعده فالمسمى الخ فقول الناظم‏:‏ استمتاع أي بالوطء بدليل قوله‏:‏ صداقها، ومفهومه أنه إذ لم يقع استمتاع بالوطء بل بما دونه من المقدمات أنه لا يكون لها تمام الصداق وهو كذلك، ولكن تعوض باجتهاد الحاكم ‏(‏خ‏)‏ وتعاوض التلذذ بها أي وجوباً كأن يفسخ قبل أو بعد‏.‏

والعَقْدُ لِلنِّكَاحِ في السِّرِّ اجْتُنِبْ *** ولوْ بالاسْتِكْتامِ والفَسْخُ يَجِبْ

‏(‏والعقد‏)‏ مبتدأ ‏(‏للنكاح‏)‏ يتعلق به وكذا قوله ‏(‏في السر‏)‏ وجملة ‏(‏اجتنب‏)‏ بالبناء للمفعول خبر المبتدأ ‏(‏ولو‏)‏ شرطية إغيائية ‏(‏بالاستكتام‏)‏ يتعلق بمقدر أي‏:‏ ولو كان السر بالاستكتام وجواب لو محذوف للدلالة عليه، هذا والظاهر أن الواو للحال إذ ليس هناك صورة يوجد فيها نكاح سر بدون استكتام ‏(‏والفسخ‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏ يجب‏)‏ المشهور كما لابن عرفة أن نكاح السر هو ما أمر الشهود حين العقد بكتمه ولو كان الشهود ملء الجامع اه‏.‏ ولا مفهوم للشهود بل كذلك استكتام غيرهم لقول الباجي إن اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر، وعليه فقول الناظم بالاستكتام أي بالاستكتام للشهود أو لغيرهم فقد حذف المتعلق للعموم، وظاهره كان الاستكتام قبل العقد أو فيه أو بعده، لكن صرح في ضيح بأن الاستكتام بعد العقد غير مضر ويؤمرون بإفشائه اه‏.‏ وظاهره أيضاً كان للزوج دخل في الاستكتام المذكور أم لا‏.‏ وليس كذلك بل لا بد أن يكون له دخل فيه كما في شراح المتن وظاهر قوله‏:‏ والفسخ يجب الخ، أنه يفسخ ولو دخل وطال وقيده ‏(‏خ‏)‏ مما إذا لم يدخل ويطل فقال‏:‏ وفسخ موصي وإن يكتم شهود من امرأة أو منزل أو أيام إن لم يدخل ويطل الخ‏.‏

والبُضْعُ بالبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ *** وعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرارُ

‏(‏والبضع‏)‏ مبتدأ ‏(‏بالبضع‏)‏ يتعلق بمقدر صفة أي الكائن بالبضع والباء فيه للتعويض أي الفرج عوض الفرج ‏(‏هو‏)‏ مبدأ ثان ‏(‏الشغار‏)‏ خبر عن الثاني وهو على حذف مضاف أي هو صريح الشغار بدليل قوله‏:‏ البضع بالبضع أي هو المسمى بما ذكر، والجملة من الثاني وخبره خبر الأول من قولهم شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول أو من قولهم بلدة شاغرة أي خالية من أهلها سمي به هذا النكاح لخلوه من الصداق لأنهما جعلا بضع كل منهما صداق الأخرى فيقول له مثلاً‏:‏ زوجني أختك أو بنتك على أن أزوجك أختي أو ابنتي أو أمي ‏(‏وعقده‏)‏ مبتدأ والجملة من قوله‏:‏ ‏(‏ليس له قرار‏)‏ خبره أي فيفسخ قبل البناء وبعده، وظاهره ولو طال وولدت الأولاد قال‏:‏ وهو كذلك ولمن وقع الدخول بها منهما صداق المثل، وفهم منه أنه إذا لم يكن بضعاً ببضع بل بالمسمى لكل منهما كزوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بخمسين أو بمائة لا يكون حكمه الفسخ أبداً وهو كذلك بل يفسخ قبله ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل معجلاً ويسمى هذا وجه الشغار، وكذا لو سمي لإحداهما دون الأخرى كقوله‏:‏ زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بلا مهر فيثبت في المسمى لها بعد الدخول بالأكثر ويفسخ في التي لم يسم لها أبداً، وهذه الصورة مركبة من الصريح والوجه يفهم حكمها من المسألتين قبله وبما قررنا يعلم أنه لا إجمال في النظم وأنه إنما تكلم على الصريح كلاًّ أو بعضاً وغيره لم يتعرض له‏.‏

وَأَجَلُ الكالِىءِ مَهْما أغْفَلاَ *** قبْلَ الْبِنَاءِ الفَسْخُ فِيهِ أُعْمِلاَ

‏(‏وأجل الكالىء‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه ‏(‏ مهما‏)‏ اسم شرط ‏(‏أغفلا‏)‏ بالبناء للمفعول فعل الشرط ‏(‏قبل البناء‏)‏ يتعلق بأعملا آخر البيت ‏(‏الفسخ‏)‏ مبتدأ ‏(‏فيه‏)‏ يتعلق بالخبر الذي هو ‏(‏أعملا‏)‏ والجملة جواب الشرط وحذف منها الفاء ضرورة على حد قوله‏:‏ من يفعل الحسنات الله يشكرها‏.‏ والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول‏.‏ ثم اعلم أن الكالىء هو المؤخر كان كل الصداق أو بعضه وقوله‏:‏ أغفلا يحتمل أن يكون معناه ترك، ويحتمل أن يكون معناه أبهم وهو أنصع لأنه يشمل ما إذا لم يتعرض لتحديد أجله أصلاً وما إذا تعرض لتحديده لكن بوقت لا ينضبط كيوم قدوم زيد مثلاً أو قالا إلى أجل ولم يقيداه بقدوم زيد مثلاً ولا بغيره، وظاهره كان عدم التعرض لتحديده قصداً أو نسياناً وهو كذلك على المشهور المعمول به كما في المتيطية والفشتالية وغيرهما لأن النكاح كالبيع، وإذا فسخ فلا صداق، وأما الإرث فثابت لأنه من المختلف فيه كما مرّ، قال في المتيطية‏:‏ وذكر ابن الهندي عن بعض أهل عصره أنه كان يفتي بعدم فسخه ويجعل له من الأجل نحو ما الناس عليه في أجل الكالىء فإن كان الأمر مختلفاً ضرب له أجلاً متوسطاً قال‏:‏ يعني بعض أهل عصره ولم أره رواية إلا أن لقائله في ذلك حجة عندي واحتج بمسألة كتاب الخيار من المدونة فيمن باع سلعة على الخيار ولم يوقت للخيار وقتاً أن البيع جائز ويضرب له أجل الخيار في تلك السلعة، وقد شبه مالك رحمه الله النكاح بالبيع قال‏:‏ والقول بفسخه قبل البناء هو نص الرواية، وعليه أدركت العمل بين الناس اه‏.‏ وما ذكره ابن الهندي عن بعض أهل عصره نقل المتيطي أيضاً نحوه عن ابن ميسر قائلاً لأن أجل الكالىء متقرر في العرف عندهم فسكوتهما عنه يدل على أنهما دخلا على العرف والعرف سنة محكوم بها قال تعالى‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 199‏)‏ اه وهذا كله مقابل لنص الرواية وما عليه العمل كما رأيته‏.‏ وقد جعل الفشتالي ما ذكره ابن الهندي مقابلاً، وكذا ابن عرفة جعله قولاً رابعاً مقابلاً للمشهور، وقد تقدم عن صاحب الفائق عند قوله‏:‏ وأجل الكوالىء المعينة الخ‏.‏ أنه صرح بمقابلته للمشهور، وبهذا تعلم أن ما اعتمده الشارح ومن تبعه من أن ترك التأجيل قصداً هو الموجب للفساد لا النسيان والغفلة لأنهما لا ينبني عليهما حكم لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‏)‏ الخ‏.‏ مقابل للمشهور المعمول به على أن قوله لا ينبني عليهما حكم الخ‏.‏ فيه نظر لأن الحديث في رفع الإثم وهما هنا لا يصدقان في أنهما نسيا أو غفلا في مثل هذا لاتهامهما على إسقاط حق الله تعالى في تعيين الأجل، وأيضاً إذا كانا يحملان على العرف في النسيان والغفلة فأحرى في القصد لأنهما في القصد تركا التعرض للأجل اتكالاً على العرف الجاري عندهم، وبالجملة فما قاله ابن ميسر وابن الهندي عن بعض أهل عصره جار في القصد وغيره كما هو ظاهر نقولهم وهو وإن كان قولاً قوياً في نفسه إذ أفتى به ابن رشد وابن الحاج وابن المكوي أيضاً كما في المعيار فهو مقابل كما رأيته‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قال في المتيطية‏:‏ سئل اللؤلؤي عن النكاح يغفل فيه عن ذكر الشرط وتاريخ الكالىء، فإذا كان كتب الصداق قال الناكح‏:‏ لم أرد أن يكتب على شرط وطول في أجل الكالىء، وقال المنكح‏:‏ إنما غفلنا عن ذلك للعرف الجاري في البلد بالشروط إذ لا يخرج عنها إلا الشاذ وللعرف الجاري في الكالىء بكونه إلى ثلاثة أعوام ولا يعدوه إلا للشاذ أيضاً فهل يحمل الزوج على العرف من ذلك أم لا‏؟‏ فأجاب لا يجبر الزوج على ذلك وهو بالخيار إن شاء وافقهم أو وافقوه وإلاَّ فله الانحلال اه‏.‏ وقوله وهو بالخيار الخ‏.‏ مقابل لما مر من لزوم فسخه في الكالىء نعم بالنسبة للشرط هو بالخيار قطعاً‏.‏ الثاني‏:‏ قال في المتيطية أيضاً‏:‏ وأما إن زوجه بمائة نقداً ومائة إلى بعد ابتنائه بسنة فكرهه ابن القاسم قال‏:‏ وإن وقع لم أفسخه وذكر أن مالكاً أجازه واختلف في علة الجواز فقال ابن المواز‏:‏ هو على الحلول إذ للزوجة أن تدعوه للدخول متى شاءت فإذا دعته فمن حينئذ تجب السنة وقيل‏:‏ معناه إنه يحمل في ذلك على العرف فإذا كان للبناء عندهم وقت معروف حمل عليه ويؤخر بعد ذلك القدر سنة، ويدل لذلك قول مالك‏:‏ لا يصح بيع التأخير إلا لأجل معلوم إلا ما كان من بيع الأسواق على التقاضي لأنهم قد عرفوا ذلك يقيم أحدهم قدر الشهر وقدر ما عرفوا ثم يتقاضاه مقطعاً الخ‏.‏ وهذا التعليل الأخير يقوي ما تقدم عن ابن الهندي وابن ميسر، ثم هذا التنبيه داخل في كلام الناظم على الاحتمال الثاني، ويدخل فيه أيضاً إذا أجل بميسرة الزوج أو إلى أن تطلبه المرأة والحال أن الزوج معدم فيهما ‏(‏ح‏)‏ وإلى الدخول أو الميسرة إن كان ملياً الخ‏.‏ وتقدم قول ناظم العمل عند قوله‏:‏ وأجل الكوالىء المعينة الخ‏.‏

الثالث‏:‏ مما يدخل في كلام الناظم أيضاً التزوج على أن ينفق على ابنها أو عبدها لأن النفقة من جملة الصداق ولا يدري ما إذا يعيش الولد‏.‏ ابن عرفة‏:‏ عن المتيطي التزام النفقة في العقد لغير أجل كمهر مجهول‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن بنى بها سقط الشرط ولها مهر مثلها وإلاَّ فسخ ولو طرحت شرطها‏.‏ قال‏:‏ وللزوج الرجوع عليها بها إلى حين فسخ النكاح أو تصحيحه بمهر المثل ثم قال ابن عرفة‏:‏ وفي كونه أي التزام الإنفاق لأجل، كذلك قول ابن زرب وأبي بكر بن عبد الرحمن قائلاً‏:‏ لو مات الولد رجعت بنفقته الخ‏.‏ فظاهره ترجيح ما لابن زرب لتصديره به‏.‏

الرابع‏:‏ محل كلام الناظم إذا اتفقا على عدم التعرض لذكر الأجل أصلاً أو أجلاه بوقت لا ينضبط كما مر أما إن اتفقا على تأجيله بوقت منضبط واختلفا في قدره فقال في الاستغناء‏:‏ إن اختلف الزوج والولي في أجل الكالىء وقال الشهود نسيناه فإن كان أجل الكوالىء كلها متعارفاً عندهم وكان لقلة الكوالىء وكثرتها أجل جعل ذلك الكالىء إلى مثل ذلك الأجل، فإن لم يكن عندهم متعارف جعل أجله إلى أكثر ما تحمل عليه الكوالىء إلى مثل ذلك الأجل ويثبت النكاح‏.‏ نقله ابن سلمون وتبعه ‏(‏ح‏)‏ مقتصراً عليه ولما نقله الشارح قال‏:‏ ذلك واضح إذا ادعى أحدهما الأجل المتعارف، وادعى الآخر أقرب منه أو أبعد لأن مدعي العرف مشبه فإن ادعيا معاً غير المتعارف فإن القول للزوج لأنه غارم كما لابن زرقون ولا يردان إلى المتعارف حينئذ اه باختصار‏.‏ ثم قال‏:‏ فلو ادعى الزوج نفي الأجل في مثل صورة الاستغناء ففي نوازل ابن الحاج أنه إن شهدت بينة بأنه ضرب للكالىء أجل ونسوا قدره والزوج ينفي ضرب الأجل ووالد الزوجة يقول‏:‏ إنه ضرب له كان من باب دعوى الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة منهما اه باختصار‏.‏

قلت‏:‏ ويتفرع على كون القول لمدعي الصحة أن مدعي الفساد إذا أقام شاهداً واحداً على أنه لم يضرب له أجل أو على أنه لموت أو فراق فإن كان المقيم هو الزوجة لم يفسخ النكاح لأن الواحد لا يقبل فيما يوجب الفراق، وإن أقامت شاهدين فسخ وبطل الصداق ولو أقامته بعد البناء حلفت وأخذت الأكثر من المسمى وصداق المثل قاله في المتيطية‏.‏

وما يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلْ *** شَرْطاً وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلْ

‏(‏وما‏)‏ مبتدأ وجملة ‏(‏ينافي العقد‏)‏ صلته والرابط الضمير المستتر الفاعل بينافي ‏(‏ ليس‏)‏ فعل ناقص واسمه ضمير الموصول المذكور ‏(‏يجعل‏)‏ بالبناء للمفعول خبر ليس ونائبه ضمير يعود على ما أيضاً وهو مفعوله الأول ‏(‏شرطاً‏)‏ مفعوله الثاني، والجملة من ليس وما بعدها خبر المبتدأ والرابط محذوف أي فيه، والمعنى أن الشروط على قسمين ما لا ينافي عقد النكاح وسيأتي وما ينافيه وهو ما هنا، وظاهره كان الشرط من جهتها أو من جهته فإذا شرط أن لا يقسم لها أو يؤثر عليها أو لا نفقة لها أو لها نفقة معلومة في كل شهر أو لا ميراث بينهما أو أن لا يأتيها ليلاً أو لا يعطيها الولد أو شرطت أن الطلاق بيدها أو نفقة ولدها أو نفقة الصغير أو السفيه على الولي أو نفقة العبد على السيد أو شرطت نفقة الكبير الرشيد على غيره أو إعطاء حميل بالنفقة فإن النكاح في ذلك كله يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل وتسقط الحمالة في المسألة الأخيرة وترجع النفقة على الزوج في مسألة اشتراطها على ولي الصغير، وهكذا يسقط الشرط المذكور بعد البناء في جميع ذاك ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما يفسخ قبل ويثبت بعد ما نصه‏:‏ أو على شرط يناقض المقصود كأن لا يقسم لها أو يؤثر عليها وألغى الخ‏.‏ أي ألغى الشرط المذكور بعد البناء ومحل الفساد في مسألتي الصغير والسفيه ما لم يبينوا أن الولي إن مات أو طرأ عليه دين أو عسر قبل بلوغ الصبي ورشد السفيه كانت على الزوج فإن بينوا ذلك صح اتفاقاً فإن قالوا إن مات الولي أو طرأ عليه ما يمنع الإنفاق فلا تعود على الزوج حتى يبلغ أو يرشد فسد اتفاقاً قاله ابن عرفة عن ابن رشد، وفهم من قوله ليس يجعل شرطاً فيه أنه يجوز شرط ما ينافيه بعده وهو كذلك كما يأتي قريباً‏.‏

تنبيه‏:‏

لو شرط السيد في تزويجه عبده من أمة غيره أن الولد بينهما فسخ ولو بنى والولد لرب الأمة وكذا لو شرط أن ما تلده حر، سواء كان الزوج حراً أو عبداً كانت الأمة لسيد العبد أو لغيره وما ولدته قبل الفسخ حر وولاءه لسيدها ولو شرط أول ولد تلده حر فكذلك على مذهب ابن القاسم، ويجوز لسيدها بيعها ما لم تحمل فإن حملت بقيت حتى تضع فيعتق الولد وما ولدت بعده من الأولاد رقيق قاله في المتيطية‏.‏

‏(‏وغيره‏)‏ مبتدأ ‏(‏بطوع‏)‏ يتعلق بالخبر الذي هو ‏(‏يقبل‏)‏ أو في محل نصب على الحال من ضمير أي وغير المنافي للعقد كشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من بلدها أو لا يتسرى عليها يقبل، ويجوز حال كون كائناً بطواعية من الزوج بعد العقد لا إن اشترط فيه فيكره ولا يلزم على كل حال ولكن يستحب له الوفاء به ‏(‏خ‏)‏ وإن أخرجها من بلدها أو تزوج عليها فألفان ولا يلزم الشرط وكره الخ‏.‏ وإنما كره اشتراط ذلك في العقد لأن المرأة حطت من صداقها لأجل الشرط، وهذا هو السر في رد المرأة لمهر المثل بعد البناء في الشروط المنافية ثم إن غير المنافي قسمان ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه كالأمثلة المذكورة وما يقتضيه العقد، وإن لم يشترط كشرط أن يقسم لها أو لا يؤثر عليها أو لا يضربها فاشتراط هذا وعدمه سواء، فقول الناظم يقبل أي مع كراهة إن كان ذلك في العقد وبدونها بعده لكن ما كان في العقد لا يوصف بطواعية حقيقة، بل مجازاً لأن المرأة تأبى من العقد حتى يلزم الشرط، وما كان كذلك ليس بطوع‏.‏ وقوله‏:‏ يقبل أي يصح وكونه يلزم أو لا يلزم شيء آخر فيه تفصيل، ويحتمل أن يكون معناه يلزم فيحمل حينئذ على ما إذا علق عليه طلاقاً أو عتقاً أو تمليكاً أو نحو ذلك مما يقضى به على الزوج إذا حنث فإن المعلق يلزمه بالمخالفة كشرطه في العقد أو بعده أن لا يخرجها من بيتها وإن أخرجها فهي طالق أو عبده حر أو أمرها بيدها وأن لا يضر بها وإن أضر بها فأمرها بيدها فإن اشترطت مع ذلك أنها مصدقة في الضرر فسد على ما لسحنون إن كان في العقد لدخوله على غرر في بقاء العصمة‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وفي أعمال شرط تصديقها دون يمين في المغيب والرحيل والضرر أو فيهما دون المغيب نقلاً‏.‏ ابن عات عن ابن فتحون وابن عبد الغفور‏:‏ وكان ابن دحون يفتي بإلغاء شرط التصديق في الضرر بعد قوله لا خلاف في أعماله إن لم يكن شرطاً في العقد الخ‏.‏ وفي ابن سلمون ما نصه‏:‏ فإن التزم لها التصديق في الضرر بغير يمين فقال ابن رشد‏:‏ اختلف في ذلك فروى عن سحنون أنه قال‏:‏ أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر، وحكي عن ابن دحون أنه كان يفتي بأن ذلك لا يلزم ولا يجوز إلا ببينة ثم قال‏:‏ ولا خلاف أنه إذا لم يشترط في أصل العقد أنه جائز نافذ اه‏.‏ وانظر تمام كلامه فيما يأتي في فصل الضرر، وأما إن لم يعلق على ذلك شيئاً أو علق عليه ما لا يقضى به على الزوج إن خالف كقوله‏:‏ إن أخرجتها من بلدها فلها ألفان فلا شيء عليه بالمخالفة كان في العقد أو بعده، ولهذا إذا اشترطت عليه الماشطة في العقد أن لا يمنعها من الخروج لصنعتها لا يلزمه الوفاء به كما في المعيار وأولى إن اشترطت عليه الخروج لقدوم الحاج أو خروجه، ثم إن علق الطلاق على التزوج عليها أو على التسري فيلزمه في التزوج بمجرد العقد، وإن لم يدخل وفي التسري بالوطء ولو كانت الأمة عنده قبل التعليق وإن علقه على اتخاذ أم الولد فيلزمه بوطء الأمة أيضاً لا بحملها على مذهب ابن القاسم قاله في المتيطية‏.‏ ثم إن الطواعية بذلك أحسن من اشتراطه في العقد فإن اتفقا على الشرطية فيما يقضي به واختلفا في كونها وقعت في العقد أو بعده ولا بينة فقيل‏:‏ يحمل على الشرطية في العقد، وقيل على الطواعية بعده وبالأول العمل قال ناظمه‏:‏

والشرط في النكاح محمول على *** أنه في أصل العقود جعلا

وفائدة الخلاف أن له أن يناكرها على الطواعية دون الشرطية كما أشار لذلك ‏(‏خ‏)‏ فقوله وناكر مخيرة لم يدخل بها ومملكة مطلقاً الخ‏.‏ وتظهر أيضاً أنها إذا وقعت واحدة في الطواعية فهي رجيعة وفي الشرطية بائنة كما في ابن سلمون، وتظهر أيضاً فيما إذا التزم نفقة ربيب أو غير ذلك مما ينافي العقد وتنازعا في كونه وقع في العقد أو بعده، فإنه يحمل على الشرط على ما به العمل ويفسخ النكاح إن كان التنازع قبل البناء ويسقط الشرط إن كان بعده‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ يحتمل أن يكون الضمير في قول الناظم وغيره عائداً على ما ذكر أي وغير المشترط في العقد مما هو مناف له أو غير المنافي أصلاً أي غيرهما معاً يقبل بطوع بعده فيهما وفي غير المنافي مطلقاً فيستفاد منه بطريق النص أن جميع المنافي للعقد يجوز الطوع به بعده ما عدا قوله‏:‏ ولا ميراث بينهما فإنه لا يصح فيها ذلك لأنه من إسقاط الشيء قبل وجوبه ولأنه يدخل في الملك جبراً فيصح حينئذ أن يلتزم الزوج نفقة ربيبه أمد الزوجية أو مطلقاً وأن يلتزم الزوج نفقة زوجة غيره وأن يتحمل لها بالنفقة وأن تسقط حقها في القسم، وهكذا فإن طلقت الملتزم لولدها بالنفقة أو التي تطوع لها بطلاق الداخلة عليها ثم راجعها عادت نفقة الولد وعاد الشرط كما يأتي في قوله في الخلع‏:‏

وما امرؤ لزوجه يلتزم *** مما زمان عصمة يلتزم

فذا إذا دون الثلاث طلقا *** زال وإن راجع عاد مطلقا

الثاني‏:‏ ما تقدم من أنها إذا شرطت عليه نفقة ولدها في العقد يفسد النكاح هو الذي في شراح ‏(‏خ‏)‏ عند قوله‏:‏ أو على شرط يناقض المقصود وظاهرهم اشترطت ذلك لمدة معلومة أم لا‏.‏ وهو الذي لابن زرب وقال أبو بكر بن عبد الرحمن‏:‏ إن شرطت ذلك لمدة معلومة جاز ذلك فإن مات الولد رجعت بنفقة بقية الأجل ويلزمه لأنه من صداقها، وإنما تأخذه على حسب ما شرطت قاله في المتيطية‏.‏ ونقله أوائل الالتزامات وذكر عن ابن رشد أنه الراجح قال‏:‏ وينبغي حينئذ أن لا يسقط بموت الزوج وأن يحل بموته ويأتي أول الخلع عن البرزلي ما يفيده‏.‏

الثالث‏:‏ على ما تقدم من فسخ النكاح فإن للزوج الرجوع على المرأة بما أنفق بالشرط على ولد، ومن لا تلزمه نفقته من خدمها إلى حين فسخ النكاح أو لتصحيحه بمهر المثل قاله في الالتزامات عن ابن رشد‏.‏ قلت‏:‏ وانظر الاضطراب في فهم قول ابن رشد إلى فسخ النكاح أو تصحيحه في نكاح نوازل مازونة‏.‏

الرابع‏:‏ إذا قال لها‏:‏ إن أخرجتك من بلدك فأمرك بيدك فأخرجها بإذنها فأرادت أن تأخذ بشرطها وتطلق نفسها فقال مالك وأصبغ‏:‏ ليس لها ذلك‏.‏ وقال أشهب‏:‏ لها أن تأخذ بشرطها لأنها إنما أذنت في شيء تملكه، واستحسنه ابن المواز قاله في كتاب الشروط من المتيطية قال‏:‏ ولو أخرجها بإذنها فردها ثم أراد أن يخرجها فأبت فروى ابن وهب عن مالك‏:‏ تحلف بالله ما كان خروجي معه أولاً تركاً لشرطي ثم هي على شرطها‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ إذا أذنت له سقط شرطها وهو شاذ اه باختصار‏.‏

الخامس‏:‏ ما تقدم من أن الشرط في النكاح محمول على الشرط في العقد حيث لا بينة كما مر، أما إن كانت هناك بينة بكونه شرطاً أو طوعاً فإنه يعمل عليها ما لم يشهد العرف بضدها، ففي المعيار سئل ابن رشد عما يكتب من الشروط على الطوع والعرف يقتضي شرطيتها، فقال‏:‏ إذا اقتضى العرف شرطيتها فهي محمولة على ذلك ولا ينظر لكتبها على الطوع الخ‏.‏

قلت‏:‏ والعرف في زمننا هذا أن التزام نفقة الربيب ونحوها من إمتاع الزوجة زوجها إنما يكون في صلب العقد إذ قل ما تجد التزاماً بالنفقة المذكورة متطوعاً به في نفس الأمر، وإنما الكتاب يكتبونه على الطوع تصحيحاً لوثائقهم وتجدهم يأمرون المتعاقدين بتأخير كتبه إلى يومين أو ثلاثة من عقد النكاح فيجب حينئذ فسخ هذا النكاح إن عثر عليه قبل البناء، ولا تسقط النفقة عن الزوج إن عثر عليه بعده عملاً على ما أفتى به ابن رشد، وأقامه ابن عرفة من المدونة في باب الحمالة‏.‏ قال ابن ناجي‏:‏ وبه العمل اه‏.‏ وقد علمت مما قدمناه أول الكتاب أن قولهم‏:‏ العمل بكذا مما يرجع القول المعمول به فما قاله ابن رشد هو الحق إن شاء الله تعالى كما يأتي في البيت بعده عن الجزيري والمازري، وقد قال في الفائق‏:‏ متى ضاق على الموثق المجال ركن إلى التطوع مصوراً في صورة الجائز ما لا يجوز في الحقيقة اه‏.‏ ومثل هذا يأتي في بيع الثنيا إن شاء الله وأنه متى ثبت رسم الإقالة ولو بصورة التطوع فهو محمول على أنه شرط في نفس العقد كما أفتى به المجاصي وغيره من أهل عصره لأن العرف شاهد بضد المكتوب خلاف ما يأتي للناظم من أن العمل فيها على المكتوب‏.‏